الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية عبد الوهاب الهاني (حزب المجد): الغنّوشي «ثعلب» سياسي يميح مـع ريـاح الخليـج التـي تفـوح منهـــا رائحـة البتـرودولار

نشر في  16 أفريل 2014  (11:37)

 • رئاسة الجمهورية أصبحت اداة انتخابية لحزب المؤتمر


• بعـض قيــادات النّهضة تعوّدوا على حياة البذخ والقصور ممّا أحدث قطيعة بينـهـم وبـيـن الفقراء والـمهمّشيــن


• المرزوقي وجد صعوبة كبيرة في أن يلبس جبّة الدّولة وهذه حكاية الأرواح الشرّيرة في قصر قرطاج

 

ضيفنا هذا الأسبوع هو السيد عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد المعارض.. شغل خطة نائب الأمين العام للإتحاد العام التونسي للطلبة وكان يمثل التيار المستقل أمام التيار الإسلامي المهيمن في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، نشط في أوساط المعارضة بالمهجر وانخرط في العمل الحقوقي في المنظمة العالمية لحقوق الإنسان والتنمية وشغل المقعد الدائم للجنة العربية لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، وهو يعتبر من المساهمين البارزين في تأسيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي لم يعمّر فيه كثيرا...في هذا الحوار تحدث الهاني عن المهدي جمعة والمرزوقي والغنوشي والباجي قائد السبسي وعن عديد المواضيع والملفات ذات العلاقة بالوضع العام بالبلاد..
- جاءت حكومة المهدي جمعة بعد حوار وطني عسير، فهل وفّقت في مهامها وهل هناك مؤشرات التوفيق هذه، أم أن دار لقمان بقيت على حالها؟
لقد كانت المطالبة باستقالة حكومة حمادي الجبالي ومن بعده علي العريض مطلبان أصيلان من حزب المجد والمعارضة التونسية حتى قبل أن تتكوّن حكومة الجبالي لأننا كنا ندرك أن المرحلة كانت تستوجب حكومة توافق وطني واسعة وليس حكومة أغلبية طفيفة ومعارضة..
- لكن النهضة فازت في الإنتخابات ومن حقها آنذاك تشكيل الحكومة التي تريدها هي وليس التي كانت تتمناها المعارضة الخاسرة في الإستحقاق الانتخابي!
 صحيح لكن هذه انتخابات مجلس تأسيس كان الهدف منها الوصول إلى إنجاز دستور تكون فيه أقصى درجات التوافق، وقلنا بأنه لا يمكن إنجاز دستور بروح التوافق وتكوين حكومة بعقلية الأغلبية وقلنا أن المرحلة تتطلّب حكومة كفاءات لا حكومة مكافآت حتى نتمكن من إنقاذ البلاد، لكن حصل العكس وهو ما كان له تأثير سلبي على البلاد..
- هناك حديث يتردّد بخصوص إمكانية تثبيت السيد المهدي جمعة في منصبه كرئيس للحكومة حتى بعد الانتخابات القادمة، بماذا تعلّق؟
هذا فيه خرق لخارطة الطريق ولروح التوافق، لكن دعني أقول أن بعض الأطراف تريد أن تجعل من السيد المهدي جمعة بالرجل المنقذ في مرحلة مقبلة وتريد أن تغلق كل آفاق الانتقال الديمقراطي على اعتبار أنه لا توجد حلول اقتصادية وأن الحل الأوحد هو عودة القبضة الحديدية للدولة وهذا خطر على الانتقال الديموقراطي..
- من هي هذه الأطراف؟
- بعض الأطراف الدولية التي لا ترى بعين الرضا ما يحصل في بلادنا ولا تريد انتقالا ديمقراطيا في تونس، اليوم هناك خارطة طريق تقتضي أن لا تترشح هذه الحكومة للانتخابات القادمة، ليس خوفا من شعبيتها وإنما لتوفير شرط الجرأة في اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة، ثم أن هذه الحكومة ليس لها برنامج حزبي، بل برنامجها هو التوافق الوطني وخارطة الطريق، ويجب أن تستمده من هذا التوافق ومن روح الحوار الوطني، ولكن للأسف الشديد هناك تراخ للحوار الوطني مما جعل الحكومة تسبح اليوم في الضبابيّة، وهذا خطر على عملية الانتقال الديمقراطي.. السيد جمعة اتخذ قرارا جريئا بتغيير بعض الولاة وتحوير جزئي على مستوى الديوان، لكن هذا غير كاف ومازالت العملية محتشمة لأنه لم يراجع كل التعيينات الحزبية التي تؤثّر تأثيرا مباشرا على الانتخابات على غرار البعثات الديبلوماسية التي تطرح إشكالا حقيقيا..
كيف ذلك؟
تم تعيين أعضاء وقيادات حزبية في قنصلياتنا وسفاراتنا بالخارج، على غرار السيد عادل الفقيه سفيرنا في باريس، الذي عيّن بموجب صفته عضوا في حزب التكتل وهو مقرّب من السيد مصطفى بن جعفر، السيد كريم عزوز الذي عين قنصلا عاما في باريس بصفته عضوا في حركة النهضة  وممثلا لها بفرنسا وهو ليست له أية علاقة بالديبلوماسية خصوصا وهو يحمل الجنسية الفرنسية ولديه مصالح تجارية بفرنسا تتناقض مع صفة القنصل العام والصفة الديبلوماسية، وهو لا يتمتع بالحصانة الديبلوماسية ولا الامتيازات القنصلية، وهذا الأمر يطرح إشكالا حقيقيا خصوصا وأنه الممثل الأول للجالية التونسية بباريس، مع هؤلاء نجد السيد رضا بوكاري  عضو مجلس الشورى بحركة النهضة وهو سفير تونس بطرابلس، والسيد علي بن عرفة من حركة النهضة سفيرنا في المملكة العربية السعودية ولدى منظمة المؤتمر الإسلامي، وهذا خطر على الديبلوماسية لأن هؤلاء يؤثرون على مجريات العملية الانتخابية، ولا يمكن لشركائنا في الخارج أن يتعاملوا تعاملا سليما مع حكومة كفاءات وطنية بسفراء متحزّبين وهذا جزء في اعتقادي من فشل زيارة رئيس الحكومة للسعودية.. لذلك المطلوب هو مراجعة هذه التعيينات وهذه ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل وايضاً مسؤولية رئاسة الجمهورية والحوار الوطني الذي تراخى كثيرا والحال أن دوره مراقبة الحكومة ومعاضدة عملها..
- هناك من اعتبر تصريحات الحكومة بخصوص العجز التجاري وعجز ميزان الدفوعات بمثابة إعلان إفلاس الدولة!
جميل جدا أن تصارح الشعب بحقيقة الوضع، لكن ذلك لا يكفي، يجب أن تقدم حلول، والخطاب الذي سمعناه مؤخراً هو خطاب سلبي صراحة خصوصا وأن الحديث تمحور حول عدم إمكانية وجود جرايات لخلاص الأجور، وهو كلام فيه الكثير من السلبية وقد قيل فيه الصّدر..
- وأين العجُز؟
هو الحل، وإلا لماذا التجأنا إلى حكومة كفاءات؟ حتى تكون قادرة على تقديم الحلول..
لكن حكومة الكفاءات هذه لا تمتلك عصا سحرية؟
صحيح، ولكن هنالك حلول من بينها ترشيد نفقات الدولة، والتقليص من أجور السادة الوزراء وكتاب الدولة  ونواب المجلس التأسيسي، وتقليص الراتب الشهري لرئيس الجمهورية ولميزانية الرئاسة حتى يعطوا المثل والقدوة الحسنة في حسن التصرف في المال العام.. خصوصا وأن الحكومة السابقة لم تعط هذا المثل، وقد لاحظنا ما حصل مع قضية رفيق عبد السلام وقضايا أخرى لم تلعب فيها تلك الحكومة دورها ولم تقدم القدوة الحسنة في التصرف في المال العام..
- هل تشاطرني الرأي بأن عملية مصارحة الشعب جاءت متأخرة؟
بالفعل جاءت متأخرة، والمسؤولية في ذلك تتحملها الحكومة السابقة والتي سبقتها، ما حصل اليوم أن الفساد الذي كان له قائدا في السابق زاد بعد الثورة وأصبح هناك نوع من «دمقرطة» الفساد نظرا لانهيار الدولة، نحن نرى الفساد في كل المجالات، والمطلوب إصلاحات قانونية وتشريعية لمكافحته..
-أداء مؤسسة الرئاسة، كيف تقيمه؟
كان الأداء الديبلوماسي متعثرا في البداية، وكانت البوصلة الديبلوماسية رتيبة وكان هنالك نوع من الفوضى في هذا القطاع، بعد ذلك لاحظنا نوعا من الرصانة والإيجابية في التعامل مع هذا الملف.. تخّلي مؤسسة الرئاسة في الحوار الوطني كان فاشلا فشلا ذريعا والحال كان يفترض أن تكون راعية له والخيمة التي تجمع الفرقاء، لم تنجح هذه المؤسسة في أن تلتزم بدور الحياد في الصراع الحزبي، رئيس الجمهورية استقال من حزبه، لكن المحيطين به كلهم متحزبون وهو ما أدى إلى الشعور بأن مؤسسة الرئاسة  هي أداة انتخابية وأداة حزبية وهي مؤسسة لحزب المؤتمر وليس لكل التونسيين، في حين أنّ روح التنظيم المؤقت للسلط العمومية كانت تقتضي حياد رئيس الجمهورية وحياد مؤسسة الرئاسة ككل..
- سبق لك أن انتقدت زيارات السيد المرزوقي إلى الخارج ووصفتها بأنها سفرات ليس لها قيمة ولا معنى!
أنا انتقدت بعض الزيارات وخاصة مضمون هذه الزيارات والخطابات التي ألقاها الرئيس المؤقت في الخارج والتي لم تكن في أغلبها موفقة، هو تصرّف كمفكر ومثقف ولم يتصرف كممثل لدولة إسمها تونس. هذه الجدلية بين المواقف الشخصية ومواقف الدولة لم يتقنها في البداية الدكتور المنصف المرزوقي، وهذا الأمر مردّه غياب مستشار ديبلوماسي متمكّن والدليل استقالة ثلاثة ديبلوماسيين مستشارين من الرئاسة علاوة على استقالات أخرى متكررة وصلت إلى 13 استقالة في ظرف 26 شهرا..
- ماذا تعني هذه الإستقالات؟
هذا يعني غياب الإستقرار داخل مؤسسة الرئاسة وغياب الرؤيا الواضحة خصوصا في الملف الديبلوماسي مما أدّى إلى مواقف وتضارب في المواقف، كان المطلوب من الرئيس المؤقت أن يكون « المايسترو» للديبلوماسية التونسية وأن يحدث التوافق والتناغم، لكنه لم يكن كذلك وقد طغى عليه البعد الفردي والمعارض السابق ووجد السيد المرزوقي صعوبة كبيرة في أن يلبس جبّة الدولة وبقي في جبة المعارض والمناضل والحقوقي.. هذه الخطابات في الخارج وعدم احترام النواميس الديبلوماسية كانتقاد دولة الجزائر أثناء زيارة له في ليبيا والموقف من مصر الذي لم يكن متناغما مع موقف الديبلوماسية التونسية لأن تونس لم تقطع علاقتها مع مصر ولم تطرد السفير...
- تحدّثت عن قصر قرطاج «المسكون» وعن الأرواح الشرّيرة المتواجدة هناك الشيء الذي أثار تعاليق وردود أفعال عديدة ومختلفة، ماذا أردت أن تقول بهذا الكلام؟
جاء هذا الكلام في فترة كان هناك فيها استعراض لوضعيات حقوق الإنسان عند حضوري في اجتماع للمنظمة الدولية، وقد أخذت الكلمة باسم اللجنة العربية للدفاع عن حقوق الإنسان وكان معي الصديق كمال العبيدي وكنا الصوتان التونسيان في هذا المحفل وتفاعل معنا آنذاك وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية تفاعلا إيجابيا، ولكن ماراعنا إلا ورئاسة الجمهورية تصدر بلاغا تندد فيه بهؤلاء التونسيين الذين ينتقدون بلادهم في الخارج فذكرني ذلك البلاغ بالبلاغات السابقة التي كنا نسمعها في النظام السابق، وقلت فعلا وكأن الأرواح الشريرة تسكن قصر قرطاج وهي التي تحرّك سكانه الجدد! واعتقد أن بعض العقلاء في قرطاج تفطنوا لهذا الخلل واعتمدوا أسلوبا آخر في التعاطي مع الساحة السياسية.. هذا الكلام قلته فعلا في إطار معين .
- كنت عبرت عن نيتك في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وأكدت أن الطبقة السياسية هُرمت وشاخت وقد آن الأوان لإدخال دماء شابة وجديدة، هل لديك الثقة والإمكانيات والبرامج التي تخول لك دخول معركة انتخابية تستلزم حدا أدنى من الشروط للمنافسة بجدية على هذا المنصب حتى لا تكون ديكورا في هذا السباق؟
نعم كنت أكدت أنني أفكر جديا في الترشح للانتخابات الرئاسية، ونحن في حزب المجد نفكر في كل المواعيد الانتخابية الرئاسية والتشريعية والمحلية، لأننا نعتبر أننا نمتلك رؤية وتصوّرا وبرنامجا لتونس، وأنا أعتبر أن الانتخابات تمثل فرصة لتجديد الوجهة لتونس وتجديد الدماء خصوصا وأننا نعاني في تونس من تهرّم الطبقة السياسية، وإذا فاز إخواننا وشيوخنا في الانتخابات القادمة فإن ذلك سيكون كارثيا للدولة لأنه سيحدث ترهّلا في الطبقة السياسية وسيدخل البلاد في صراع خلافة من جديد..
-من تقصد بالشيوخ، الباجي قائد السبسي؟
صدقني لا أقصد شخصا بعينه، لأن قائمة المترشحين قد تزداد، لكن أرى أن الدول التي نجحت في مراحل انتقال  هي الدول التي كانت تتمتع بقيادات لديها شيئان متناقضان هما عنفوان الشباب والحكمة في نفس الوقت.. لأن عنفوان الشباب وغياب الحكمة يؤدي إلى الطيش والمغامرات، والحكمة مع غياب عنفوان الشباب تؤدي إلى الترهّل والجمود وهذه هي المعادلة الصعبة في العملية الانتخابية، كيف نختار الأفضل والأقدر على تجميع الأمة والأكثر قدرة وصحة بدنيا وذهنيا لقيادة البلاد..
- لذلك عبّرت عن نيتك الإستعانة بالسيد الباجي قائد السبسي وتعيينه مستشارا في رئاسة الجمهورية لو تمكنت من الفوز بهذا المنصب؟
فعلا، سأُعيّن إذا فزت في الانتخابات السيد الباجي قائد السبسي  والسيد عبد الفتاح مورو مستشاران لي في رئاسة الجمهورية لأن هذان الرجلان يتمتعان بتجربة في الحياة وبحضور البديهة، ولديهما أيضاً هذا الجانب من الحكمة الذي يعين القيادة السياسية على اتخاذ القرار الصائب في الوقت السليم.
 - انتقدت زيارة المهدي جمعة للولايات المتحدة الأمريكية ووصفتها بالفاشلة، لماذا؟
هذا مجانب لما قلته صراحة، أنا أدليت بتصريح لإذاعة «كاب آف آم»، وقلت أن هذه الزيارة فيها نجاحات كثيرة ولكن فيها أيضاً سلبيات من إيجابياتها، أنها أحدثت نوعا من التوازن الإيجابي بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في تسيير الملف الديبلوماسي وهذا الأمر كان ضروريا لأن هذا الملف انتقل تدريجيا من قرطاج إلى القصبة، الجانب الإيجابي الثاني أن هذه الزيارات سواء للولايات المتحدة أو الجزائر أو المغرب ودول الخليج مكنت من إصلاح الصورة وبناء جسور الثقة مع شركائنا بعد الهزّات التي عرفتها علاقاتنا إبان حكم الترويكا والذي أدّى إلى اهتزاز الثقة مع دول الخليج والجزائر .. وبالتالي كان المهدي جمعة رجل المطافئ لإعادة الثقة وطمأنة الشركاء، والجانب الثالث أنه لم ينتقل لوحده بل مع وفد من الوزراء الذين التقوا بنظرائهم هناك..
- قلت أنك كنت ستعطي درسا في الديمقراطية للرئيس أوباما لو كنت مكان المهدي جمعة، كيف ذلك؟
 السيد المهدي جمعة قام بهذه الزيارة بوصفه رجل الدولة وكان ينبغي أن لا يتصرّف كرئيس لمجموعة أعمال يتحدث فقط في الجانب الاقتصادي والمالي البحت، كان ينبغي أن يتحدث باسم الدولة، لذلك قلت لو كنت مكان مهدي جمعة لحدّثت الرئيس أوباما وأعطيته درسا عن تاريخ تونس خاصة وأن بلادنا منعت الرقّ قبل الولايات المتحدة والأمريكيون يعترفون بدورنا الإيجابي في التحرر وانعتاق الإنسان، هذا الجانب السياسي الثقافي مهم جداً في زيارات رجل الدولة، كما قلت أيضاً لو كنت مكان المهدي جمعة لأصطحبت معي فنان أو مثقف، لأن هذه الزيارة لم تكن بهدف التعريف بالإقتصاد التونسي فحسب، بل وأيضاً بالدولة التونسية وثراءها..أردته أن يقول من خلال الزيارة أن تونس فيها صعوبات ووضع اقتصادي دقيق وفيها أيضاً  مثقفون وفنانون وتاريخ  ومخزون حضاري وثقافي  كبير، لأن الثورة قيم وليست حدث عابر ومن يحمل هذه القيم هم الفنانون والشعراء والمثقفون.. هذا ما أردته وهذا ما قصدته عن زيارة المهدي جمعة لأمريكا، لكن هناك من المواقع من غابت عنها المصداقية فحرّفت كلامي..
- حديثك عن تحريف الكلام يجرّني لسؤالك حول الرسالة التي كنت توجهت بها للسيد الغنوشي والتي طالبته فيها   بالتدخل لوضع حد للإنفلات « الفايسبوكي» والمواقع الإجتماعية التي اتهمت النهضة بالوقوف وراءها خصوصا وأنه طالتك  العديد  من الاتهامات وعمليات التشويه، ماهو صدى رسالتك؟
للأسف الشديد لم يعط السيد راشد الغنوشي هذا النداء الأهمية التي يستحقها خصوصا وأن هذه الممارسات كانت من الأدوات التي استعملتها بعض مواقع حركة النهضة لإهانة خصومها والتقليل من شأنهم وتنظيم حملات التشكيك والتشهير، وهي حملات ممنوعة في القانون الدولي، والفصل 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يحتّم على الدول أن تحمي مواطنيها من حملات التشويه والتشكيك والتشهير، وعهد الأمان بُني على أربعة أركان من بينها أمانة النفس، وأمانة الدين، وأمانة العِرض، والحزب الإسلامي يفترض أن يكون حريصا على عدم المس بأعراض الناس بالباطل لأنه حزب يُقدّم في الأصل إضافة أخلاقية على بقية الأحزاب الأخرى، والذين صوّتوا لحركة النهضة. كانوا يعتقدون أن هؤلاء «يخافوا ربي» وسيدخلون مسحة أخلاقية على السياسة فإذا بهم قاماوا بالعكس واستعملوا نفس أساليب النظام المخلوع، ولذلك قلت أن هذا مرض syndrome ( المتلازمة) والذي يصبح فيه الضحية يمارس نفس ممارسات الجلاد..
 - هل هي فعلا تتبع النهضة؟
بعضها ينتسب انتسابا حقيقيا وبعضها يدّعي، لذلك أعتقد أننا أمام مرض جديد، وهو أن من كان ضحية  بات يعادي المناضل الذي كان يدافع عنه، لذلك نعيش اليوم وضعا مؤلما.. وأصبح التجمّع القديم هو الذي يُهيكل الحياة السياسية تتقرّب منه النهضة ويتقرب منه المعارضون للنهضة وهذه كارثة حقيقية.. أحيانا أقرأ بعض التعاليق وكأنها نفس التعاليق التي كنّا نسمعها في عهد بن علي، وكأنّ نفس الأشخاص هم من يكتبونها ويحررونها.. وهو ما يعني أنه تمّت إعادة رسكلة خطيرة جدا، ولمّا نقرأ الكتاب الأسود الذي  أصبحنا مطالبين اليوم بأن نرفع به قضية في تحديد النّسب لأنه لا أحد يريد أن يتبنّاه، قلت لما نقرأ الكتاب نرى وكأن اليد التي كتبته هي نفس اليد التي كانت تكتب في المعارضين السابقين لتشوههم، لمّا نقرأ بعض المقالات وكأنها لنفس الأشخاص المختفية وراء ستائر من «الثورجية»، هذا يعني إعادة رسكلة للمنظومة السابقة من طرف حكومة الترويكا والنهضة..
- هناك حديث عن صفقة بين الرئيس المؤقت السيد المرزوقي وأمير قطر لترحيل القرضاوي إلى تونس للإقامة بها بعد الأزمة الخليجية التي تسبب فيها وأدّت إلى سحب سفراء السعودية والبحرين والإمارات من الدوحة، ما رأيك؟
الحقيقة، ما لمسته من خلال علاقاتي الديبلوماسية هو أن هناك رغبة حقيقية داخل دول الخليج العربي لرأب الصّدع الخليجي ورغبة حقيقية لقطر في تجاوز الخلافات.. أعتقد أن وجود الأستاذ يوسف القرضاوي يمثّل معضلة حقيقية لدولة قطر التي تبحث عن حل لإبعاده عن دول الطوق الخليجي إن صحّت العبارة، ولا أعتقد أن تونس ستقبل بهذا الأمر وبإمكان قطر أن تطلب من القرضاوي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.. الحديث عن أي صفقة بين الرئيس المرزوقي والشيخ تميم، لن يقبلها الشعب التونسي لأن القرضاوي شخصية مثيرة للجدل حتى أن هناك من يعتبره عدوّا لدودا لبلادنا التي زارها بالمناسبة سنة 2009 وبالغ بالإشادة بالنظام السابق مقابل مبلغ مالي تحصّل عليه من وكالة الاتصال الخارجي، وما ينطبق عليه  ينطبق  على غيره في علاقته بالنظام السابق وممارساته المالية.. لذلك لا أتصور أن السيد المرزوقي أو السيد جمعة أو السيد الحامدي سيقبلون بهذا الأمر..
- لكن هناك من يؤكد إلتقاء السيد الحبيب خذر مقرّر الدستور بالقرضاوي مؤخراً في الدوحة لترتيب عملية انتقال هذا الأخير لتونس والإستقرار بها!
سيكون من الغباء السياسي لحركة النهضة أن تدعو السيد القرضاوي للإقامة في تونس وحتى لزيارتها في هذه الفترة الحسّاسة خصوصا وأن فئات كبيرة من الشعب تنظر بمرارة لسنتين من حكم النهضة وخاصة خلال الفترة الأولى التي تم خلالها استقدام أعداد كبيرة من هؤلاء المشايخ وشيوخ الخليج، وكانت هناك ردّة فعل من الشعب التونسي من خلال التمسّك بهويته العربية الإسلامية وليس الإخوانية ولاحظت هبّة حقيقية في المؤسسات الدينية للدفاع عن الإسلام التقليدي التونسي الصوفي، ومقاومة الإسلام الإخواني الدخيل، حتّى حركة النهضة هي بصدد التبرّأ اليوم من انتماءها الإخواني، والأستاذ راشد تنصّل تماماً من الإخوان..
- ماهو برأيك سبب هذا الإنقلاب بنسبة 180 درجة في المواقف؟
الأستاذ راشد هو «ثعلب» سياسي، يعرف الآن أن سمعة الإخوان أصبحت سلبية ليس في تونس فحسب بل في العالم العربي الإسلامي، وهو يريد أن يتنصّل من هذا التاريخ وما قاله يجانب الحقيقة، وهو أقرب إلى المغالطة منه إلى التوضيح..لأن التوضيح عندما يخرج عن سياق الحقيقة يصبح مغالطة. هو نوع من التنصّل ونوع من محاولة تونسة الحركة الإسلامية التي كان دائماً رافضا لها، وقد كان يمثّل دائماً التيار الوافد، التيار الدخيل المشرقي الإخواني والوهابي، في حين كان الأستاذ عبد الفتاح مورو هو المدافع عن تونسة الحركة الإسلامية، ومن مكر التاريخ اليوم أن نرى راشد الغنوشي وحاشيته هم الذين انتصروا حزبيا وتنظيميا.. انتصروا، لكن فشل مشروعهم وفشل مشروع «أخونة» الدولة، فشل مشروع «وهبنة» الدولة والمجتمع في تونس.
 اليوم قيادة حركة النهضة تقود سياسة هي غير مقتنعة بها وحاربتها طيلة عقود.. وقد كان راشد الغنوشي يحارب الخصوصية والذاتية التونسية وكان يرفض الترحّم على الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وقد قال في يوم مشهود وبالتحديد يوم وفاته « لن أترحّم عليه» .. الآن اضطرّ لتغيير موقفه واعتبره رجل دولة قاد معركة الإستقلال.. لقد استغربت مؤخراً عندما قال الغنوشي أنه طالع كتابا إسمه « أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» وطالب الناس بقراءته والحال أن هذا الكتاب يقرأه الناشئة وليس زعيما سياسيا جاوز عمره السبعين! الآن يكتشف الأستاذ راشد الحركة الإصلاحية في آخر العمر.. وبالتالي ما يفعله الأستاذ راشد الغنوشي هو « ميحي مع الأرياح» وخاصة رياح الخليج التي تفوح منها رائحة البترودولار ورياح الغرب التي يبحث فيها عن مصالحه، والحقيقة أن بعض قيادات النهضة والأستاذ راشد تعوّدوا على حياة البذخ والقصور والفيلات الفخمة التي بدأت تحدث قطيعة حقيقية بينهم وبين جمهور المعدومين والفقراء والمهمّشين الذين علّقوا آمالهم على الإسلام السياسي ليخرجهم من فقرهم وتهميشهم، فإذا بالإسلام السياسي يتلذذ بحياة المتعة وينتشي بالسيارات الفاخرة والقصور الراقية.

حاوره: عادل بوهلال